أسرار البحتري

زيد الطهراوي
حين كتبت قصيدة بحتري الشعر و هي من قصائدي الأولى
سألني أحدهم : من تعني ببحتري الشعر ؟ و شرحت له أنني أقصد في هذه القصيدة المعاني السامية و هي التي لا يستطيع الشاعر أن يكون شاعرا حقيقيا بدونها
و لكن الأخ السائل لم يقتنع و أراد أن يقنعني أنني أقصد نفسي فأشبهها بكبار الشعراء فتركته يناقش و يحاور و يأتي بالجديد المبتكر من التحليلات التي ابتعدت كثيراً عن القصيدة و محتواها
و لكنني كنت متعمقاً في قصيدتي متأثراً بها عند كتابتها و بعد أن نضجت و قامت تسير بين القصائد فلم تؤثر تلك التحليلات في قناعتي و لسان حالي يقول : أنا في واد و هو في واد
فالقصيدة قد تنتمي إلى الرومانسية و فكرتها جاءت من اطلاعي على حال الشعراء العباقرة ؛ أبي تمام و المتنبي و البحتري فالنقاد يجزمون بأن “المتنبي و أبا تمام حكيمان و إنما الشاعر البحتري ” و لأن الشعر فيه ما فيه من العاطفة و المشاعر و الخيال فقد وضعت ثِقل أفكار القصيدة على الشاعر البحتري و تخيلته شاعرا أو إنساناً يحمل مشاعره الرقيقة و خياله الخصب و هو يواجه الحياة و أبناءها و هم يتعاملون بلغة الحسابات و هو يزداد قناعة بأن هذه اللغة كفيلة بتدمير الفرد و المجتمعات و يكاد أن يضعف نفسياً أمام الضغط و العنف و يكاد أن يعترف مكرهاً بأنهم على حق
فتأتي هذه القصيدة لتنتشل هذا الإنسان و تعالج جراحه و تمده بأكسجين الحياة المعنوية فيزداد تمسكاً بالعاطفة السامية و الخيال البَنَّاء
و قد أجد من سبقني إلى هذا الأداء و لكن بصيغة أخرى فها هو الكاتب الأردني محمود سيف الدين الإيراني في قصته القصيرة ( حي الأشرفية ) يصف تاجرا يمتلك القدر الكافي من المادة التي قد تكون سبيلا إلى الحياة السعيدة و لكنه لم يكن سعيدا لأنه كان يعاني من الفقر الروحي
و لكنني حين تتبعت مسيرة الحكماء وجدت الحكمة – إذا طُبِّقت – طريقاً للحياة المثالية بما فيها من عاطفة و تسامح فقد يكون صاحب الحكمة من الذين يحملونها في عقولهم و لكن أفعالهم بريئة منها
أما البحتري فقد يخونه التعبير المنطقي عن عواطفه فيتغلب الماديون عليه و رأيته أحياناً ينفعل و أحياناً أخرى لا يتقن الطرق السليمة فيؤذي و يجرح و ينسى البحتري أحياناً كثيرة أن المحبة كالبناء بحاجة إلى عقلية فذة تدرك أهمية الأساس المتين و الرصف المتكامل فإذا بالبحتري يصرخ متأسفاً :
يا ليتني كنت حكيما

أضف تعليق